الاخ معاووية حبيت اذكرك قصة حدثت قبل 24 عاام تقريبا
تحية طيبة لجميع الاعضااء
ادخل في الموضوووع مبااشرة ...
كانت الخرطوم على موعد مع القدر فى ذلك التاريخ من شهر اغسطس عام 88. لم تكن الاحوال تنذر حينها بشيء
.
الجو كان خريفيا بما يكفى لان يفتح الشهايا,غيوم تتراقص فى السماء و امطار خفيفة تتساقط, رائحة الدعاش تنعش ساكنيها. الاجواء تغري بالتجول و الابداع.
هكذا احس اسامة ابن العشرين عاما وهو يكوى قميصه المفضل فى داخلية البركل و هو يراقب سحب هذا اليوم من نافذة الغرفة, دفع الباب عادل سليمان حاملا افطار الصباح و قال ممازحا اسامة: على وين الليلة, انشاء الله خير
و قميصك دا ما بمرق الا فى مناسبات خاصة.
اسامة: انت زاتك جاى معاى, ح نمشى للشباب فى داخلية الحلة الجديدة, ناس عبد الرحيم يوسف, الليلة الغداء بى هناك.
تناولو ما تيسر و تفقدوا نقودهم البسيطة , كانت تكفى لركوب بص امدرمان من السوق الشعبى, وكانت تكفى ايضا لشراء جريدة الميدان.
اذن هيا بنا فال عادل , وعندما ترجلا من ما يسمى بباص ام درمان امام الحلة الجديدة كانت السحب تزداد كثافة.
و داخلية الحلة الجديدة لمن لا يعرفها , اشبه با الحصن. بنيت لتستوعب طلاب معهد الكليات. بناء صامد شامخ
عند المساء اقترح معاوية ضواها ان يتناولوا فول سـمـبـتيـك لدى عم على الفوال, كان دكانه يقع فى اخر الشارع
تحلقوا فى حلقات كان اخرها من نصيب عادل و معاوية و انضم اليهم اسامة. فى لحظة اللقمة الثانية بدات الامطار تهطل, لم يكن هطولا عاديا. نظر اسامة الى قطرات الامطار, لم تكن قطرات, انما هى اشبه بكتل من الماء تنزل فتضرب, و تنزل فتسمع لها دويا, يا الهى ما الذى يحدث. لم يكمل معاوية عشاءه و انطلق لا يلوى على شى با اتجاه الداخلية, و فى لحظات اختفى وبقى تحت راكوبة" عم على" اسامة و عادل ينظر اليه بتوتر. حتى عم على اختفى حينها.
اسامة: اسمع المطرة دى ما عادية الشارع فى دقيقة اتملا, اخير نتخارج بسرعة, كان قرار الهروب مهما حينها, اذ بدات معالم الشوارع تختفى و الماء وصل الى الركب.
كان عادل يركض فى الامام و اسامة على بعد خطوات منه و الماء فى كل مكان, عند منتصف الطريق كانت المياه تزداد , صادف عادل رجل وسط كل هذا الماء و هو يرقص و يحمل زجاجة من الخمر, هى يا شباب تقدرو تعملو كدا
صاح السكران, لم يكترث عادل به و انما واصل ركضه, كان السكران لايزال مصرا ان لا احد يقدر يعمل كدا و امسك با اسامة: تقدر تعمل كدا و رفع قدمه و لف فى الماء ولكنه لم يسقط, انما الذى سقط كان اسامة, نهض وهو يلعن: يا عمنا كدا شنو ياخى, يا عم شوف ليك مكان اتضارى فيهو, ثم واصل ركضه.
عندما وصل الداخلية, شاهد عادل ينادى عليه من الاعلى يا اسامة: من هنا , بى جاى, اطلع فوق, اوضة ناس سامى.
تسلق اسامة هذا الجبل عله يعصمه من الغرق.انقطعت الكهرباء حينها وكان الجو يشبه يوم القيامة." يا الهى"
فيما بعد عرفت هذه الاحداث بفيضانات 88, نعم لقد فاض النيل هكذا فجاة, كما لم يفض من قبل, واستعدت البلاد لا اسوا كارثة فى تاريخها.
كانت غرفة سامى تبدو كا الملجا , لم يعلم اسامة كم شخصا با الداخل, اثناء قيامه بخلع ملابسه التى تبللت اضاء سامى شمعة, كان الجميع قابعا فى الداخل و بدا الجو رطبا و باردا, فكر اسامة, يبدو اننا علقنا. فجاة كانت هناك صيحة من السكن المجاور: لا لا ما بى هنا لا لا بى جاى.....
كان احد الطلاب يصرخ من بلكون الغرفة الى احد السائقين فى اسفل الشارع, حيث يبدو ان هذه السيارة ضلت طريقهاو على وشك ان تسقط فى الخور الكبير, الذى اختفى تماما تحت مياه الامطار. تبرع بعض الطلاب للنزول و سط هذا الشلال بعد ان توقف صاحب السيارة. ساعده الشباب با الخروج, كان عريسا فى ايامه الاولى مع عروسه, حيث كانا فى طريقهما الى الرياض لتلبية دعوة عشاء هناك, و انتهى بهم الامر الى الاقامة معنا فى غرفة بداخلية الحلة الجديدة لا اسبوع كامل.
كان كل شى تحت الحصار.
ظل الامر هكذا حتى تمكن البعض من الخروج بعد الاسبوع , كل ذهب يتفقد اهله. و فى ظهر هذا اليوم, شاهد اسامة ربيع السمانى, قادما من بعيد و هو يصيح, يا اسامة .. يا اسامة: ارح معاى ام درمان, فى اشاعة قوية , قالو بيتنا وقع.
كانت البيوت تتساقط حينها كاوراق الشجر. و لذلك لم يكن غريبا ان يسقط بيت ربيع وقتها.
تمكنو من ايقاف سيارة بيك اب امام الحلة الجديدة , فى طريقها الى ام درمان, حيث قفز ربيع و اسامة فى الخلف
و اخذا يشاهدان ما حل با الخرطوم من دمار.
كان كل شى مختلفا, البيوت نصفها وقع و النصف الاخر ينتظر, الناس لا زالو مذهولين, المياه فى كل مكان,الطين و التراب, كانت الخرطوم وقتها لا تسمن ولا تغنى من جوع.
و صلت العربة الى شارع الغابة و من ثم تابعت طريقها و عند و صولها امام بوابة معهد الكليات الخلفية. فوجى ربيع و اسامة بالجمع الذى هناك و صيحات لهما من بعض الشباب : ربيع و اسامة انزلو انزلو, المعهد غرق.
فى هذه الايام, كان من المفترض ان يقدم الطلبة الامتحانات و التى تاجلت الى اجل غير مسمى. سافر اغلب الطلاب الى اهاليهم ولم يبقى الا القليل من طلاب الداخليات.
عندما نزل ربيع مع اسامة امام الباب, كان المشهد مثيرا, اذ اختفى المعهد عن الاعيان, لا شى يبدو سوى المياه و الجميع ينظر, كانوا اساتذة و طلاب و عمال . لم ينطق احد.
صرخ ربيع: يا جماعة لا بد من انقاذ المعهد
كانت هذه الصرخة بداية عهد جديد, و بدل ان يكون الامر حوالة ساعة او اثنتين ثم يواصلا رحلتهما الى ام درمان, ظل الرفاق اسامة و ربيع الى ما يزيد عن الشهر فى هذا المكان الموحش, انضم اليهم فيما بعد بقية الرفاق و من تيسر من بقية الطلاب و الاساتذة,
بدات هنا حملة انقاذ معهد الكليات. و هذه قصة اخرى.